اخر الأخبار

دراسة تحليلية إجرائية لنص المادة 102 من دستور 2016

دراسة تحليلية إجرائية للمادة 102 من دستور 2016


دراسة تحليلية إجرائية لنص المادة 102 من الدستور الجزائري 

معاذ جدّي 

  المادة 102 – في الفترة الأخيرة – أثارت جدلا واسعا قبل تنحية بوتفليقة و أثناءه و بعد ذلك في النسخة النهائية من تعديل 2020  ، فالمتمعّن في هذه المادة يرى أنّ صياغتها في حدّ ذاتها تنضوي على إشكال إجرائي سنحاول تبيانه في هذا المقال  :

تنص المادة 102 من الدستور الجزائري على : إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع.

ويُعلِن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي (2/3) أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوما رئيس مجلس الأمة الذي يمارس صلاحياته مع مراعاة أحكام المادة 104 من الدستور.

وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين (45) يوما، يُعلَن الشغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادة.

وفي حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا ويُثبِت الشغور النهائي لرئاسة الجمهوريّة. وتُبلّغ فورا شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوبا.

ويتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدّة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظّم خلالها انتخابات رئاسية

ولا يحِق لرئيس الدولة المعين بهذه الطّريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

وإذا اقترنت استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الأمة لأي سبب كان، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، ويثبت بالإجماع الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية وحصول المانع لرئيس مجلس الأمة. وفي هذه الحالة، يتولى رئيس المجلس الدستوري مهام رئيس الدولة. يضطلع رئيس الدولة المعين حسب الشروط المبينة أعلاه بمهمة رئيس الدولة طبقا للشروط المحددة في الفقرات السابقة وفي المادة 104من الدستور. ولا يمكنه أن يترشح لرئاسة الجمهوريّة.

وحتى نص المادة في التعديل الجديد لسنة 2020 و الذي لم يتم إصداره إلى حدّ كتابة هذا المقال لم تختلف عن سابقتها والتي جاءت مرقّمة بالمادة 94 واختلفت فقط باستبدال مصطلح المجلس الدستوري بالمحكمة الدستورية والإجتماع الفوري للمجلس الدستوري للتثبّت من حالة المانع أو حالة الشغور و تغيير الأغلبية النسبية المقرّرة للمجلس الدستوري من الإجماع إلى ثلاثة أرباع ، بالإضافة إلى تمديد الفترة الرئاسية لرئيس مجلس الأمة في حالة استحالة إجراء الإنتخابات الرئاسية خلال 90 يوما الأولى ونصّ المادة  كالتالي : المادة 94 ( بدل المادة 102 ) 

الإجراءات التي تنص عليها المادة 102 من الدستور الجزائري 

    1. إجتماع المجلس الدستوري وجوبا للتثبّت من وجود المانع الذي يحقق استحالة ممارسة المهام الرئاسية لرئيس الجمهورية  ، الفقرة لم تنص على كيفية إخطار المجلس الدستوري ممّا يجعل تحرّكه تلقائيا بمجرّد إحاطته علما بتوافر ولو شبهة المانع للرئيس بكافة الطرق و الوسائل سواءا للتثبّت أو الإستعلام .
2. هل التثبّت من حالة المانع إجراء شكلي فقط و هل الإقتراح الموجّه للبرلمان للتصريح بحالة المانع مُلزم للبرلمان أو يحمل فقط صفة الإخطار ؟ 
بالرجوع إلى صياغة و أحكام الفقرة الأولى من المادة 102 نجد أنّ التثبّت من وجود المانع إجراء جوهري يستوجبه توافر حالة المانع .
الإقتراح الموجّه للبرلمان للتصريح بحالة المانع يكون بإجماع أعضاء المجلس الدستوري و يكون في صيغة إخطار مُلزم للبرلمان للإجتماع بغرفتيه معا للتصويت ومن ثم التصريح بثبوت حالة المانع بـثلثي ( 2/3 ) أعضائه وليس مُلزما للتصريح بثبوت حالة المانع و إلا لما كان التصويت بالأغلبية النسبية التي قرّرتها المادة .
3. إجتماع البرلمان بغرفتيه معا تنص الفقرة الثانية من المادة 102 من الدستور على أنّه بعد إخطار المجلس الدستوري للبرلمان يجتمع هذا الأخير بغرفتيه معا ليقرّر عن طريق التصويت بأغلبية ثلثي 2/3 أعضائه ثبوت حالة المانع لرئيس الجمهورية و الذي يتحقق معه شرط الإستحالة .
4. هل يجتمع البرلمان فور إخطاره من طرف المجلس الدستوري ؟ وهل يستطيع أن يتخذ موقفا مخالفا بعدم الإجتماع ؟
فور إخطاره لا يُمكن عمليا من أجل تبليغ أعضاء الغرفتين بجلسة التصريح بثبوت المانع 
لا يُمكن للبرلمان أن يتخذ موقفا مخالفا لصريح المادة كونها آمرة و ليست مكمّلة .
5. تكليف رئيس مجلس الأمّة بعد التصويت بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان بغرفتيه مجتمعتين معا يتولى رئيس مجلس الامّة بالنيابة مهام رئيس الجمهورية لمدة لا تتجاوز 45 يوما مع مراعاة أحكام أخرى من الدستور تقيّد مهامه الرئاسية .
مدّة 45 يوما هي المدة التي تنتقل فيها بالنيابة المهام الرئاسية لرئيس مجلس الأمة و ليست المدة التي يقتضيها غياب الرئيس لتوفر شرط الإستحالة ومن ثمّ إعلان ثبوت حالة المانع .
6. إعلان حالة الشغور : تنص الفقرة الثالثة من المادة 102 على انّه إذا استمر المانع بعد إنقضاء فترة التكليف أي بعد 45 يوما من تولّي رئيس مجلس الأمة مهامه الرئاسية بالنيابة ، بنفس الشكل المنصوص عليه في الفقرتين السابقتين من نفس المادة تُعلن حالة الشغور أي يجتمع المجلس الدستوري وجوبا يتثبّت من حالة استمرار المانع يقترح على البرلمان إعلان حالة الشغور ثم يجتمع البرلمان بغرفتيه المجلس الوطني الشعبي و مجلس الامّة و بأغلبية ثلثي أعضائه يُعلن حالة الشغور
7. الإستقالة أو الوفاة لإعلان حالة الشغور : هذا الإجراء يستوي أن يكون في أي مرحلة فإن تمّت الإستقالة أو الوفاة قبل بداية التثبّت من حقيقة المانع أو أثناءها أو بعد التصريح بها و قبل تكليف رئيس مجلس الأمة أو بعده أو خلال فترة التكليف أو بعدها  ، يجتمع وجوبا المجلس الدستوري يُثبّت حالة الشغور النهائي و يُخطر البرلمان بشهادة التصريح بالشغور النهائي لكرسي الرئاسة فيجتمع هذا الأخير وجوبا على الشكل الذي نصّت عليه الفقرتين الأولى و الثانية .
8. تكليف رئيس مجلس الأمّة : نصت الفقرة الخامسة من المادة 102 على أنّه يتولّى رئيس مجلس الأمة مهامه الرئاسية بالنيابة لفترة 90 يوما تكليفا من البرلمان على الشكل الذي حددته الفقرتان الأولى و الثانية .
9. عدم القدرة على الترشح للرئاسيات (حالة تنافي ) تنص الفقرة السادسة من نفس المادة على أنّه لا يُمكن – تحت طائلة البطلان – لرئيس الدولة الترشّح للرئاسيات المنظّمة خلال فترة التسعين (90) يوما و العلّة في ذلك هو أنّ المشرّع حاول رفع شبهة التزوير كون أنّ رئيس الدولة خلال هذه الفترة تمكّن من بعض أجهزة الدولة على الأقل القادرة على تسيير العملية الإنتخابية و يملك سلطة التأثير كونه في أعلى هرم السلطة التنفيذية .
10. تكليف رئيس المجلس الدستوري برئاسة الدولة  : نصّت الفقرة الأخيرة من المادة 102 على أنّه إذا تزامنت استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته بشغور رئاسة مجلس الامة ، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا و بالإجماع يُثبّت  الشغور النهائي لمنصب الرئاسة و حصول المانع لرئيس مجلس الأمة و يتولّى رئيس المجلس الدستوري مهامه لرئاسة الدولة 
هل الحالتين أي حالة تثبيت حالة الشغور و حصول المانع لرئيس مجلس الأمة مستقلتين أم مجتمعتين ؟ من الناحية الإجرائية هما عمليتين مستقلتين كل على حدى و لكن من ناحية تقليص المدد الزمنية فالمجلس الدستوري يرسل شهادة التصريح بالشغور النهائي و حصول المانع لرئيس مجلس الأمة للبرلمان مجتمعتين( بطبيعة الحال حسب الحالات ) ليخلص هذا الأخير حسب مقتضياة المصلحة العامة إلى تكليف رئيس المجلس الدستوري مباشرة  .

ما يؤخذ على هذه المادة ( الإشكالات الإجرائية  )

   • المادة لم تحدد الفترة الزمنية لغياب رئيس الجمهورية و التي خلالها يتحرّك المجلس الدستوري للتحقق من حالة المانع ، أمّا ما يعتقده البعض في أنّ المدّة هي 45 يوما فهذا خطأ فالمادة صريحة مدّة 45 يوما هي المدة التي تستوجبها فترة النيابة الرئاسية لرئيس مجلس الأمّة و ليس الفترة التي يستوجبها تحرّك المجلس الدستوري .
حتى ولم تضبط المادة تحرّك المجلس الدستوري بفترة غياب مرضية محدّدة إلا أنّها لم تُلزمه أيضا بضرورة التحرّك الفوري بل فقط بوجوب الإجتماع دون تحديد أجل .
المادة أخلّت في أحكامها بالتنويه للجانب الجزائي في حالة تخاذل المجلس الدستوري وعدم تحرّكه للتثبّت من حالة المانع .
المادة لم توضّح – لرفع اللبس و دفع الإجتهاد – من يتولّى مهام رئيس الدولة في حالة ثبوت المانع  إذا تزامن مع ثبوت المانع لرئيس مجلس الأمة  أو الشغور في منصبه ؟ بل نوّهت فقط لذلك في حالة الشغور بالإستقالة أو الوفاة ، ولكن عموما عن طريق التفسير الضيّق للمادة يُمكن أن يجتهد المجلس الدستوري في ذلك كون حالة المانع أخف من حالة الشغور و بذلك إذا تزامنت حالة المانع للرئيس مع حالة الشغور أو المانع لرئيس مجلس الامة يتولّى رئيس المجلس الدستوري المهام الرئاسية على نفس الشكل الذي ينبغي عليه في حالة رئيس مجلس الأمة .
وخلاف ذلك فالمشرّع قد أخلط بين مصطلحي الشغور و المانع حيث جاء في نص الفقرة الأخيرة  " ..... بشغور رئاسة مجلس الأمة لأي سبب كان، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، ويثبت بالإجماع الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية وحصول المانع لرئيس مجلس الأمة .... " فمن جهة يقول شغور رئاسة مجلس الأمة و من جهة يقول حصول المانع لرئيس مجلس الأمة في نفس الفقرة و هذا خطأ من الناحية القانونية فمصطلح المانع يقتصر على شخص رئيس مجلس الأمة بسبب عجز أيا كان نوعه أمّا مصطلح الشغور فيتعلّق بالمنصب ولا يتعدّاه للشخص وحتى من الناحية اللغوية فنقول شغر المنصب بمعنى خلا أو فرغ من صاحبه  .


 


ليست هناك تعليقات